ads

أخبار الموقع

من قلب الجماهير المودعه للعندليب الاستاذ الصحفي مدحت عبد الدايم يروي لعش الاسطورة تفاصيل اليوم الحزين

من قلب الجماهير المودعه للعندليب الاستاذ الصحفي مدحت عبد الدايم يروي لعش الاسطورة تفاصيل اليوم الحزين...


الساعة العاشرة من صبيحة السبت الثالث من أبريل 1977 وميدان التحرير على اتساعه يشغي بالناس، الجماهير المتدفقة من كل الشوارع تصب في قلب الميدان، صور العندليب في الأيدي بوسترات ولافتات ورسوم، الحزن مرسوم على الوجوه، والبكاء والنحيب يتردد بين الحين والآخر،


"صورة حصرية من ارشيف الاستاذ مدحت عبد الدايم وهو وسط الجماهير المودعه للعندليب بالجنازة"

 لا موضع لقدم عند جامع عمر مكرم، حيث ينام جسد العندليب المسجى في صندوق ملفوف بعلم مصر التي أحبها وأحبته، قبل الساعة الحادية عشرة أغلقت كباري المشاة العلوية التي تحيط بالميدان بإحكام تام من قبل ضباط وأمناء الشرطة، إلا من الصحفيين وكاميراتهم، وكاميرات التليفزيون والسينما، الحرارة تزداد ولهيب الشمس يلفح الوجوه، مع شدة الزحام، أصوات لمكبرات صوت تطوف بالميدان، على سيارات تشق الزحام بصعوبة بالغة، صورة صورة كلنا كده عايزين صورة، الجماهير تغني وحدها ودون محرك لها الوداع يا حليم يا حبيب الملايين الوداع، قلب عاجي مجوف تحت قدمي يبدو أنه انفرط من سلسلة، أحاول التقاطه، لكن الحذر مطلوب فموجات التدافع تكاد تعصرني، ومن يسقط قد يهلك، على البعد أرى أعداد الشرطة تزداد يحاولون البحث عن طريق تمر عبره الجنازة المهيبة، رئيس الوزراء سينوب عن رئيس الجمهورية في حضور المراسم،



ولكن الطريق طويل وشاق، الظهيرة ولا موضع لقدم، لا أحد يتحرك، نحن نميل جميعا جهة اليمين، ونميل جميعا جهة اليسار، أنا الآن على مشارف شارع التحرير، بجوار أحد المقاهي، ومدخل عمارة بابها موصد بإحكام، الحرارة تبلغ نحو ثلاثين درجة لكن الرطوبة والزحام فاقما من حدة الشعور بها، وبينما هتاف الجماهير الوداع يا حليم  يزيد من سخونة المشهد وحرارته، تنطلق صيحات الفتيات وصراخ النسوة ونحيب الجميع، ويحتدم الصراخ كلما تقدمت تلك السيارة التي تحمل نعش العندليب، ليلقي نظرته الأخيرة على جماهيره التي احتشدت منذ الصباح الباكر من كل عزبة وقرية ونجع ومدينة، ها هي الجماهير ذاهلة عن العقل وهي تبصر هذا الموعود بالعذاب في رحلته صوب منزله الأخير في مقابر البساتين، الموكب الرسمي يسير بضع خطوات، ثم ينفرط العقد وتدفع الجماهير الحراس إلى أعلى كباري المشاة، لا أحد يستطيع مقاومة الحشود التي تبدو شبه السيول الجارفة، الكاميرات تسقط، الجميع يفرون، ويتعذر التصوير، إن شارع التحرير الطويل يكتظ بالناس،



" من ارشيف الاستاذ مدحت عبد الدايم أ امناء الشرطة يحيطون بالجثمان 

عند انطلاق الجنازة وبدء التحام الجماهير المباشر 

مع الجنازة"


" من ارشيف الاستاذ مدحت عبد الدايم "

 أما أنا فقد التصقت بباب العمارة دون حراك، فوق صدري عشرات الناس يدفعونني إلى الجدران، والنعش يرمق الجميع والجميع يرمقونه من النوافذ والشرفات والصراخ يهز المكان كالزلزال، يا حليم، هذا يوم للوفاء، للحفل الأخير، والوفاء العظيم، يا فتى مصر، لا نملك إلا أن نلوح لك ولروحك الذي يطل علينا من علياء السماء، يغني لمصر وللعروبة وللحب والحياة، إن هذه الجموع جاءت لتقول لك إن فنك الذي حفرته حنجرتك وحسك وحضورك وإجادتك في أعماق الوجدان والقلوب، أبدًا أبدًا لن يغيب، وأن الأجيال الجديدة لن يسعها إلا أن تتوقف طويلا أمام هذا الفن الذي    سيظل شاهدًا على ذلك الرقي الذي بلغت ذروته، وذلك النضج الذي حزت سنامه، وخطفت درته، وسيشهد كل منصف لفنك بأنك أتعبت من جاء بعدك، أو أراد أن يحذو حذوك، بوعيك وثقافتك ودرايتك وعلمك وخبرتك وإنسانيتك، يا نبتة الأرض العربية ونسمة الصيف التي عطرت سماء الشرق.


 شكر وتقدير من موقع عش الأسطورة للأستاذ الكبير مدحت عبد الدايم 

www.7alim84.blogspot.com


ليست هناك تعليقات