اكتشف مجموعة كاملة من موسيقى عبد الحليم حافظ ، وفيديوهات ، وأخبار ، ومجلات ، وكتب. استكشف الأغاني النادرة الفريدة واحصل على آخر التحديثات حول المغني الأسطوري. استمتع بتجربة كاملة مع عبد الحليم حافظ !
جسر التنهدات: كتاب جليل البنداري الذي أزعج عبد الحليم حافظ وصدّقه الزمن
يُعد الكاتب والصحفي والناقد الفني جليل البنداري أحد أبرز الأقلام التي عرفها الوسط الصحفي المصري في النصف الثاني من القرن العشرين. عُرف بأسلوبه اللاذع، وبلاغته الحادة، وقدرته على إثارة الجدل بأسطر قليلة. هو الذي أطلق على عبد الحليم حافظ لقب "العندليب"، وهو أيضًا أول من تجرأ على تأليف كتاب كامل عن حياة هذا الفنان وهو لا يزال على قيد الحياة. وقد صدر هذا الكتاب عام 1961 تحت عنوان: "جسر التنهدات".
في هذا العمل، قدّم جليل البنداري صورة غير مألوفة لعبد الحليم حافظ، بأسلوب صادم ومباشر، تضمن أوصافًا ثقيلة على الأذن مثل: "الصعلوك"، و"المريض"، وغيرها من التعابير التي لا يمكن تصورها بحق شخصية عامة محبوبة. لم يتردد البنداري في أن يغوص في أعماق حياة عبد الحليم، متناولًا ظروف نشأته القاسية، وبداية ظهور أعراض مرضه، ومراحل معاناته النفسية والصحية، إضافةً إلى تفاصيل دقيقة عن حياته قبل الشهرة وبعدها.
وعقب صدور الكتاب، طُرح السؤال مباشرة على عبد الحليم في إحدى المقابلات الإذاعية: هل أعجبك الكتاب؟، فجاء جوابه مقتضبًا، وبنبرة صوت متصنعة للهدوء: "لم يعجبني الكتاب". وعندما سألته المذيعة عمّا إذا كان قد صارح جليل البنداري برأيه، أجاب بالإيجاب. ثم سألته عن رد فعل الكاتب، فأجاب ببساطة: "شتمني".
هذا التوتر في ردّ فعل عبد الحليم يعكس بلا شك الأثر الذي تركه الكتاب فيه، وهو ما يمنحنا انطباعًا قويًا بأن العمل لامس حقائق مؤلمة وصادقة في حياته. فالكتاب، على الرغم من أسلوبه القاسي، يبدو أحد أكثر الروايات صدقًا عن مسيرة العندليب، وهو ما أكدته لاحقًا شهادات متطابقة من أقرب المقربين إليه، ومن عبد الحليم نفسه، في مقابلات مختلفة. فقد روت التسجيلات الإذاعية التي ظهرت لاحقًا نفس القصص التي أوردها البنداري في كتابه: مثل حادثة محاولة بعض النساء إيذاء عبد الحليم في طفولته، وإنقاذ شقيقه إسماعيل له، وحكاية أمه التي توفيت وهو طفل، وحرص أخته على حمايته، وتسلقه جدران المعهد ليستمع لعبد الوهاب، وسقوطه لاحقًا ومرضه، والأيام الطويلة التي قضاها في المستشفى.
كذلك، وثّق الكتاب علاقة الصداقة التي ربطت بين عبد الحليم والملحن محمد الموجي، مشيرًا إلى حب الموجي الكبير لعبد الحليم، إلى درجة أنه كان يغار عليه كما تغار الزوجة على زوجها. وهو تشبيه نفسي دقيق، يسلّط الضوء على طبيعة العلاقة العاطفية المعقدة التي ربطت بينهما، في وقت كانت فيه مفاهيم "الغيرة الفنية" تُفسر ضمن سياقات نفسية بعيدة عن التنافس السطحي.
وربما تكمن قوة هذا الكتاب في أنه لا يكرر ما قاله الآخرون، بل يضيف معلومات جديدة قلّما وردت في المصادر الأخرى. من بين هذه المعلومات، مثلاً، أن عبد الحليم عمل في بداياته عازفًا ضمن فرقة الموسيقار محمد عبد الوهاب، قبل أن يُلاحظ موهبته كمطرب. كما أشار إلى أن العندليب كان في بداياته يُقلد عبد الوهاب، وهي نقطة مغفلة في معظم السير الذاتية التي تناولت العندليب، والتي اعتادت تقديمه باعتباره صاحب أسلوب مستقل منذ أول ظهور له.
ولم يغفل الكاتب، في خضم السرد، الجوانب النفسية لحليم، فوصف حالته بقوله: "لم يعد بمقدوره أن يزيل الحزن الراسب في نفسه، وإن مأساته وحرمانه هما السبب في نجاحه وتألقه". وهو تحليل دقيق يوافقه عليه كثير من النقاد، ممن رأوا أن موهبة عبد الحليم لم تكن وحدها السبب في نجاحه، بل إن آلامه العاطفية وصراعاته الداخلية صاغت صوته وشخصيته الفنية.
كما قدّم جليل البنداري وصفًا بليغًا لاختيار حليم لأغانيه، فقال: "كان دقيقًا كخبير المجوهرات في فحص وانتقاء الجمل الموسيقية الحلوة". وأضاف وصفًا آخر يُنسب لعبد الحليم نفسه: "لن تقف موسيقى الأجيال القادمة على موسيقانا، بل ستنتقل من عصر الكهرباء إلى عصر الذرة"، في إشارة إلى إيمانه العميق بالتجديد والتطور، ورفضه الانغلاق على التراث وحده.
ومع كل هذا الزخم من المعلومات، يُطرح السؤال المحوري: لماذا رفض عبد الحليم هذا الكتاب؟
الجواب على الأرجح لا يكمن في مضمون الكتاب بقدر ما يرتبط بأسلوب الطرح. فالبنداري استخدم ألفاظًا قاسية – كأن يصفه بالصعلوك، أو يورد أن من يراه قد يهمّ بإعطائه خمسة قروش من شدة الشفقة – وهي تعابير يصعب على أي إنسان أن يقبلها على نفسه، خصوصًا إذا كان نجمًا يتربع على عرش قلوب الملايين. وربما لم يكن قصد الكاتب الإهانة، بل التعبير عن مدى ما في ملامح عبد الحليم من احتياج دفين للحنان، وهو انطباع أقرّ به كثير ممن قابلوه للمرة الأولى، مثل المصوّر "وحيد فريد" الذي قال إنه شعر برغبة فورية في احتضانه، وكذلك الشاعر مأمون الشناوي الذي عبّر عن نفس الإحساس.
ومع ذلك، فإن طريقة التعبير تختلف من شخص إلى آخر. وأساليب البنداري الصادمة ربما بدت لعبد الحليم مستفزة، أو مثيرة لتأويلات قد تسيء إلى صورته أمام جمهوره، ما دفعه لإبداء الرفض الصريح للكتاب. وربما شعر العندليب أن هذه الطريقة ستُظهره أمام الناس بصورة لا تمثله حقًا.
وفي الختام، وبعد أن تلقينا رسائل عديدة من المتابعين الراغبين في الاطلاع على صفحات هذا الكتاب النادر، فقد تم رفع نسخة كاملة منه على موقعنا "عش الأسطورة"، متاحة حصريًا للقراءة. يمكنكم العثور على الرابط في صندوق الوصف وأول تعليق.
الكتاب شيّق للغاية، غني بالمعلومات، ومليء بالصور النادرة التي توثق لحظات نادرة من حياة العندليب الأسمر.
جزء أول
كتاب جسر التنهدات لجليل البنداري خاص عن عبد الحليم حافظ 1961 - جزء أول
مراجعة بواسطة Rida M'hamdi
في
7/26/2025
التقييم: 5
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق